لماذا نتخلّى قوميًّا عن التوراة لصالح إسرائيل؟ | حوار

أسامة العَيَسَة | The National

 

* أعطيتُ تَمارْ الكنعانيّة فرصةً لتتحدّث، ولم أقدّم حلولًا نهائيّة.

* الصراع على المقامات في فلسطين من محفّزات كتابتي للرواية.

* انتقلت بالأسطورة من العرفانيّة إلى البرهانيّة.

* استخدام التوراة لم يَعُدْ رائجًا في علم الآثار، حتّى الإسرائيليّ.

* المُضْمَر في الرواية هو أسئلة التوحيد، أكان ضرورة تاريخيّة أم لا؟

* عندما تكتب التاريخ تحدّيًا أنت لا تكتب تاريخًا.

 

يعود الروائيّ والباحث الأركيولوجيّ الفلسطينيّ، أسامة العَيَسَة، في روايته الأخيرة «الإنجيل المنحول لزانية المعبد» (المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، 2022)، إلى العهد القديم، وإلى أسطورة تَمارْ ويهوذا التوراتيّة، الّتي تحكي قصّة تَمارْ، المرأة الكنعانيّة، الّتي تزوّجت من عير، الابن الأكبر ليهوذا الإسرائيليّ، وبزواجها ذلك، أثارت غضب يَهْوَه، إله بني إسرائيل الغيور والمنتقم، الّذي حرّم على بني إسرائيل الزواج من خارج القبيلة.

في هذا الحوار الّذي تُجريه فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة مع العَيَسَة، نتحدّث معه عن رؤيته للأسطورة التوراتيّة، وما الّذي دفعه لمنح تَمارْ صوتًا خاصًّا بها، تروي من خلاله قصّتها بعد أكثر من 3000 عام على ولادة الأسطورة، وعن موقع الأسطورة التوراتيّة من السرديّة الفلسطينيّة.

 

فُسْحَة: سنبدأ بالسؤال الأكثر إلحاحًا لأيّ قارئ يقرأ الصفحات الأخيرة من رواية «الإنجيل المنحول لزانية المعبد»، الّتي تشير إلى شخص مجهول عثر على ما يدّعي أنّه «إنجيل تَمارْ المنحول»؛ أكتبت الرواية استنادًا إلى مصدر تاريخيّ وُجِدَ في فلسطين، أم هي نتاج تخييلك الخاصّ؟

أسامة: تستند الرواية على أسطورة مؤلّفة من خمسمئة كلمة كُتِبَت في العهد القديم، وأصبحت بالنسبة إليّ رواية تتجاوز خمسة وأربعين ألف كلمة. يصنع الروائيّ عالم الرواية استنادًا إلى أمور كثيرة، وليس من الضروريّ أن تكون قد حدثت في الواقع. الرواية فرصة أخذتها تَمارْ، بطلة القصّة؛ لتروي حكايتها لأوّل مرّة منذ ثلاثة آلاف عام، وهو العمر المفترض لهذه الأسطورة. هي على وعي بأنّها تخاطب عصرنا، وهي على وعي بأنّها تخاطب أناسًا لديهم مشاكل سياسيّة، وتحاول التفريق بين بين بني إسرائيل الّذين تزوّجت منهم وبين الاحتلال الإسرائيليّ الكولونياليّ. هذا ما أستطيع قوله. الرواية تحاكِم وأحيانًا تسائِل الواقع، من خلال ما نرصده من صراع على المقامات في فلسطين التاريخيّة، وما يحاول بعض الحركات الأصوليّة اليهوديّة فعله من تبنٍّ لهذه المقامات، وتحويلها إلى مرتكزات لمشاريعها الاستيطانيّة. وهذه ممارسة تثاقفيّة مستمرّة بين الاحتلال والمحتلّ، أو بين ما يمكن أن يوجد على هذه الأرض، وأحيانًا، الثقافة هي ما يبقى في هذه الأرض.

 

فُسْحَة: يظهر في النصّ بعض العبارات الّتي ترد في الحوارات أو في أثناء رواية الأحداث، ويمكن اعتبارها حديثة، مثل وصف شرب نوع معيّن من الأعشاب على أنّه «إدمان على المخدّرات»، أو عبارات أخرى مثل «أنسنة العدوّ أو بشرنة العدوّ»؛ هل يمكن القول إنّك تُسْقِط فهمنا المعاصر لبعض القضايا والممارسات، على زمن ماضٍ، وتُرْغِم الزمن القديم على تبنّي مفاهيم الزمن الحديث، مثل الفهم المعاصر للمجتمع الذكوريّ، الّذي تحكي فيه تَمارْ كثيرًا؟  

أسامة: مَنْ يقرّر النجاح أو الفشل ليس أنا، لقد اجتهدت في الرواية، وأحيانًا أعتقد أنّ الروائيّ لا يحقّ له الحديث بعد صدور العمل، وأيّ كلام آخر، أو تفسير للنصّ، أو توضيح له، أو الدفاع أو الاختلاف معه، يعود إلى القارئ أو الناقد. أمّا في ما يتعلّق باستخدام بعض المفردات الحديثة، إن جاز التعبير، فذلك لأنّ الراوية تَمارْ على وعي بأنّها تخاطب جمهورًا حديثًا، إن جاز التعبير. ثمّة اجتهاد لغويّ من قِبَلي، وتطلّب منّي جهدًا ووقتًا؛ في محاولة العودة إلى ذلك الزمن لغويًّا وثقافيًّا. ولكن هي على وعي بمخاطبتها لهذا الجمهور، وهي في ذلك المكان التاريخيّ القصيّ تراقبنا وتعرف أنّ ثمّة مَنْ يلوك سيرتها. من المؤسف أنّ هذه الأساطير غير مؤثّرة في الأدب العربيّ والفلسطينيّ، رغم أنّها أساطير فلسطينيّة، على العكس من الأدب العالميّ، الّذي استغرق في قصّة تَمارْ ويهوذا، وكُتِب عنها، ونوقشت ولا تزال تُناقَش حتّى اليوم، ما إن كانت تَمارْ زانية أو قدّيسة. لقد حاولتُ تقديم هذه الأسطورة، لكن، بصفتي كاتبًا، ولنكن صريحين، من الصعب الكتابة عن الكنعانيّين وبني إسرائيل دون استدعاء الحاضر، لكن كوني مهتمًّا بالآثار، أحاول دائمًا تبنّي مصطلحات الأركيولوجيّين عند الحديث عن تلك الأزمان.

 

غلاف رواية أسامة العيَسَة

 

فُسْحَة: ثمّة مفردة تكرّرت بشكل كبير في الرواية على لسان تَمار، وهي مفردة «الشرق»، لكنّ «الشرق» بناء تاريخيّ اجتماعيّ ثقافيّ غربيّ، وهو جزء من إرث استشراقيّ، فهل ثمّة إشكاليّة في التشديد على هذه المفردة في وصف المنطقة الّتي جرت فيها أحداث الرواية؟

أسامة: كلّ شيء مخترع في بلادنا، وكلّ المفردات نتاج اختراع بما فيها «الشرق». لكنّي أختلف معك في  ما يتعلّق بالمفردة في الرواية، فـ «الشرق» في الرواية ليس الشرق الغربيّ، بل شرق الممرّ بين القارات، الشرق الّذي قدّم الأنبياء والأديان الإبراهيميّة؛ فهو ليس شرق المستشرقين، بل مصطلح، إن شئت أن يكون حديثًا، فليكن، لكنّي لا أعتقد أنّه بتلك الحداثة الممكن تصوّرها.

 

فُسْحَة: بعض التفسيرات التوراتيّة صوّرت تَمارْ على أنّها المرأة الطموح، الخبيثة الّتي صمّمت على التدخّل بنسلِ يهوذا وأبنائه؛ لتكون جزءًا من النسل الّذي منه يخرج المسيح المخلّص، وبعض التفسيرات الأخرى تنظر لها بصفتها امرأةً بسيطة تصادف وتقاطع طريقها مع هذه السلالة؛ فهل ثمّة تمثيل من قبلك، كروائيّ ذكر، جعل من تَمارْ امرأة طيّبة، نقيّة، وجعل رغبتها حتّى في الانتقام رغبةً نابعة من الشعور بالظلم، على العكس من التفسيرات الأخرى؟

أسامة: أنا أعطيتها فرصة لتتحدّث، وهي تحدّثت، ولم تخلُ من بعض الخبث، وبطريقتها الخاصّة، أرادت الانتقام من خلال التعجيل بولادة التوحيد الّذي شعرَتْ بأنّه في النهاية لا بدّ سينتصر على بقيّة الأديان والثقافات. المُضْمَر في الرواية هو أسئلة التوحيد، أكان ضرورة تاريخيّة أم لا؟ وهل كان الصراع بين الكنعانيّين والإسرائيليّين، والمزارعين والرعاء، وثنائيّات أخرى كثيرة، هل كان ضروريًّا هو الآخر؟ ربّما يتعاطف القارئ مع قوم تَمارْ الكنعانيّين أكثر بسبب انفتاحهم وتسامحهم، لكنّ تَمارْ أدركت أنّ التوحيد سينتصر في النهاية، وأرادت بخبث بلبلة العالم بأن تُنْجِب أنبياء وملوكًا يُقْلِقون الناس، ولا يتركون لهم مستقرًّا. أعتقد أنّ تَمارْ بفهمها لهذا الشرق ولمعاناته، أدركت أنّه ليس من مفرّ، وأنّ ثمّة مشكلة ومعضلة تتمثّل في أنّ هذا الشرق يعيد إنتاج ذاته، ولا يتزحزح أو يتغيّر بالسرعة الممكن تصوّرها. العالم يتغيّر بشكل دائم، لكنّ الشرق يبدو عالقًا في إعادة إنتاج الصراعات ذاتها. كنت أُفاجَأ بالصراعات والمشاكل الّتي تحدث إن تزوّجت مسيحيّة مسلمًا بعد دخول السلطة الفلسطينيّة؛ أي أنّه حتّى بعد آلاف الأعوام، لا يزال الزواج العابر للجماعات الدينيّة يمثّل إشكاليّة، ولا أعرف ما هذه المعضلة، حاولت فقط طرح أسئلة ورمي حجر في المياه الراكدة.

 

فُسْحَة: كتبتَ أنّ تَمارْ عرفت بأنّ أونان، زوجها الثاني، قد قتل شقيقه عير، زوجها الأوّل، بعشبة سامّة، فقتلته هي انتقامًا لحبيبها عير بالعشبة نفسها. لكنّ رواية العهد القديم لا تذكر هذه التفاصيل على الإطلاق؛ فلماذا هذا الاختلاف بين الرواية والعهد القديم؟

أسامة: الأسطورة والقصّة في العهد القديم حكاية غنوصيّة، إن جاز التعبير، هي حكاية عرفانيّة، لكنّي حاولت أن تكون روايتي برهانيّة، وأن أُحَكِّم العقل في مسار الأحداث. لم أرغب في إقناع القارئ بأنّ ما يحدث من موت لعير وأونان موت عجائبيّ، فأحيانًا يبدو أنّ الربّ يحتاج إلى مساعدة البشر في تنفيذ مخطّطاته، وهذا ما حدث مع تَمارْ. هو نوع من احترام القارئ، ومجرّد فكرة أنّ الإنسان قد يكون شريك الربّ في مخطّطاته، فالربّ لا يستطيع تنفيذ مخطّطاته دون تآمر البشر.

 

فُسْحَة: هي محاولة لعقلنة الأسطورة إذن، وهل ثمّة طموح لأن تكون الرواية باكورة مشروع لاستعادة سرديّة الأسطورة الفلسطينيّة؟

أسامة: هو طموح، مشروعي الروائيّ هو تقديم المكان والزمان الفلسطينيّ، وهو مشروع طموح جدًّا، ولديّ رضاء نسبيّ عنه لأنّ الكتابة هي مشروع حياتيّ بشكل أو بآخر، فأنا محترف كتابة، أكتب يوميًّا وأقرأ يوميًّا، وأتصارع مع التراث، ومع ما يُنْشَر في هذه الحرفة عالميًّا وعربيًّا. لكن، في ما يخصّ تقديم الأسطورة الفلسطينيّة، ربّما يكون مشروعًا أكبر من قدراتي. الكتّاب يعملون في ظروف صعبة، ولديّ العديد من الأفكار والكتابات، لكنّي لا أعرف إن كنت سأكون مخلصًا لهذا المشروع. أشعر بالدهشة وبالأسف لأنّه لا يلتفت أحد لهذا الموروث القصصيّ الفلسطينيّ، وكأنّ ثمّة تخلّيًا قوميًّا فلسطينيًّا عن العهد القديم لصالح الاستعمار الإسرائيليّ؛ فثمّة محاولات حثيثة لنفي أن يكون هذا الكتاب كتابًا فلسطينيًّا، وأتعجّب عندما أسمع مثقّفًا فرحًا ببحث أكاديميّ من هنا أو هناك، يدّعي أنّ التوراة جاءت من مكان آخر، أو تتحدّث عن منطقة أخرى. أنا أدعو إلى استعادة هذا الإرث وهذا الكتاب؛ التوراة، فهو إرثنا، ونحن نتحدّث عن واحد من أكثر الكتب تأثيرًا في وجدان العالم؛ فلماذا نتخلّى عنه لصالح المستعمرين الإسرائيليّين؟

 

فُسْحَة: في إحدى المراجعات الجدليّة للرواية، اتّهمك الناقد بأنّك أسأت استغلال مفردة «الإنجيل»، عندما ربطتها بـ «الإنجيل المنحول» وعبارة «زانية المعبد»؛ فهل تظنّ أنّ في ذلك إساءة إلى المسيحيّين؟

أسامة: كلّا، هذا عدم فهم. الأناجيل المنحولة موجودة أصلًا في الديانة المسيحيّة، لكنّ «مجمّع نيقيّة» الأوّل اعتمد أربعةً منها؛ وهي المسمّاة بـ «الأناجيل الإزائيّة»، لكن ثمّة عشرات الأناجيل المنحولة، الّتي أوضح الكشف عنها لاحقًا مدى تأثيرها في الدين الإسلاميّ؛ فثمّة إنجيل يهوذا الإسخريوطيّ، وإنجيل برنابا الشهير لدى المسلمين، وثمّة إنجيل مريم المجدليّة. لكنّ الرواية تتحدّث أصلًا عن شيء يخصّ العهد القديم أكثر ممّا يخصّ العهد الجديد، فثمّة سوء فهم أو جهل في هذه المسائل. عبارة «الإنجيل المنحول» لا تسيء إلى الأناجيل أبدًا، فالأناجيل المنحولة هي في النهاية الكتب غير الرسميّة، أو غير القانونيّة، وليس في ذلك إساءة للدين المسيحيّ. ومع ذلك، أريد التنبيه إلى أنّ سوء الفهم هذا أدّى إلى منع روايتي من التوزيع في الأردنّ؛ بطلب من جهة تُسَمّى «مجلس الكنائس»، حيث تلقّى الناشر إشعارًا بعدم التوزيع في الأردنّ، وذلك مُسْتَغْرَب لأنّ الرواية لا تسيء إلى أحد، وخاصّة المسيحيّين؛ فهي ليست لها علاقة بالمسيحيّين، بل بالعهد القديم.

 

فُسْحَة: يُلاحَظ أنّ ثمّة تفضيلًا أو ميلًا نحو عدم الاعتراف بالوجود اليهوديّ في فلسطين، وذلك يعود إلى استخدام الرواية التوراتيّة قاعدةً نظريّة تبريريّة للاستعمار الصهيونيّ، وذلك على الرغم من الفصل الّذي أنشأه مثقّفون فلسطينيّون، ما بين اليهود بصفتهم جماعة ثقافيّة دينيّة وما بين الصهاينة والصهيونيّة بصفتها أيديولوجيا استعماريّة استيطانيّة أوروبّيّة. كيف يمكن التعامل مع هذا الميل نحو عدم الاعتراف والرفض للمطلق، سواء للرواية التاريخيّة أو التوراتيّة، وعدم تحويله إلى مصدر للشعور بالتهديد من الكتاب المقدّس في حدّ ذاته؟

أسامة: المشكلة أوّلًا مع بنية استعماريّة استيطانيّة، ذلك أنّنا لو عدنا إلى بدايات الفاتحين المسلمين في هذي البلاد لوجدنا أنّهم تبنّوا الرواية التوراتيّة بشكل كبير؛ فالإخباريّون العرب يتحدّثون عن بناء عمر بن الخطّاب للمسجد الأقصى مكان الهيكل عندما وصل إلى القدس، رغم أنّنا نعرف الآن من الحفريّات الأركيولوجيّة أنّه لم يكن ثمّة ما يُسَمّى بـ «الهيكل الأوّل». المسلمون اعتقدوا عندما جاؤوا إلى هذه البلاد أنّهم يُكْمِلون بني إسرائيل، إلى درجة أنّ القضاة والملوك الّذين ذُكِروا في العهد القديم، يُذْكَرون إسلاميًّا بوصفهم أنبياء، فلم يكن ثمّة مشكلة في التعامل مع العهد القديم. المشكلة بدأت بظهور الاستعمار الصهيونيّ واستخدامه الكتاب المقدّس لتبرير الغزو أو الاستعمار، وهي ممارسة قديمة لجأ إليها المسلمون، والصليبيّون، وكلّ مَنْ غزا هذه البلاد وصولًا إلى الاستعمار الصهيونيّ. لكن، يغيب عنّا أنّ الاستخدام للرواية التوراتيّة لم يَعُد رائجًا في دوائر علم الآثار الإسرائيليّ، فلم يَعُد ممكنًا بالنسبة إلى عالم آثار إسرائيليّ أن يتحدّث في مؤتمر علميّ ممسكًا الكتاب المقدّس بيد وباليد الأخرى نتائج حفريّاته الأثريّة. ومَنْ يلجأ إلى مثل هذه الادّعاءات يُرَدّ عليه من قبل علماء إسرائيليّين آخرين.

 

فُسْحَة: ولكن ما زال جزء كبير من الأركيولوجيا الإسرائيليّة يشتغل في خدمة الأسطورة الصهيونيّة؟

أسامة: أختلف معك في هذا الأمر، مَنْ يشتغلون في هذا السياق يمكن اعتبارهم على هامش علم الآثار الجدّي في إسرائيل؛ فعلم الآثار لديهم لم يعد بحاجة إلى التبرير، لأنّه أصلًا تمّ تجاوز فكرة واقعيّة قصص الكتب المقدّسة واعتبارها حقائق تاريخيّة. الكثير من الفقهاء والمجدّدين في كلّ الأديان انتبهوا إلى هذه المسألة، ومنهم حتّى سيّد قطب، فحتّى قصص القرآن وضعت للعبرة، والاتّجاه السائد أنّ القصص الدينيّة للعبرة فقط، ولم تحدث بالفعل. وعلم الآثار الإسرائيليّ تطوّر كبقيّة العلوم، فأيّ عالم إسرائيليّ يدّعي أنّ داود أو سليمان كانوا هنا، لن يجد أحدًا يستمع إليه. أعتقد أنّ لدينا مشكلة، مثقّفين ومؤرّخين فلسطينيّين وعربًا، فعندما تكتب التاريخ تحدّيًا أنت لا تكتب تاريخًا، بل تحاول أن تثبت شيئًا، وفي حالتنا نحاول أن نثبت أنّ فلسطين ليس لها علاقة باليهود. أدواتنا الأكاديميّة قد تكون أضعف من أدوات الاحتلال البحثيّة؛ ولذلك نكتب تحدّيًا. عندما يتعلّق الأمر بالاستعمار الصهيونيّ، فنحن أمام استعمار يستخدم الدين بصفته أيديولوجيا تفسّر الماضي في ضوء ممارساتها في الحاضر، وتلك ممارسة قديمة، وما زال العديد من الأنظمة السياسيّة في المنطقة يفعل ذلك. الدين يُسْتَخْدَم بصفته أيديولوجيا، لكن، تحت هذه الأيديولوجيا ثمّة صراع وقتل ودماء تسيل، وليس لها علاقة بالجانب الأخلاقيّ من الأديان، بل بالدولة أو النظام الّذي يستخدم الدين بصفته أيديولوجيا تبرّر وجوده.

 

فُسْحَة: هل ثمّة توازٍ بين الرواية وواقعها، وبين واقعنا اليوم، من ناحية الأزمات الدينيّة والاجتماعيّة بين المجموعات الدينيّة المختلفة؟

أسامة: فوجئت في إحدى المناقشات للرواية بإحدى المداخلات، ادّعت أنّني كتبت نهاية قاطعة للرواية، ذلك أنّي حاولت تركها مفتوحة، لكن يبدو أنّي لم أكن موفّقًا بما فيه الكفاية. في الواقع، تجنّبت بصفتي روائيًّا طرح الحلول؛ ذلك أنّي لا أملكها، بل فقط أراقب وأتعلّم ممّا يجري من حولي. كان غريبًا أنّ الزواج بين المسيحيّين والمسلمين كان أمرًا عاديًّا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لكن، فجأة، بدأت المشاكل تظهر بعد دخول السلطة، وبدا أنّ تلك الفترة كانت مجرّد طفرة. أنا فقط أحاول أن أتعلّم وأفهم ما يجري من حولي، لا أعرف كيف يمكن أن تتغيّر الأمور أو تُؤَوَّل، ولا ما هي الميكانيزمات الّتي تدفع بالمجتمع وبتطوّره، ربّما علم الاجتماع يستطيع التفكير في ذلك. كذلك كان الأمر في الرواية، نهاية مفتوحة، بلا كلمة أخيرة، وبلا حلول مقترحة.

 

 


أنس إبراهيم

 

 

 

كاتب وباحث ومترجم. حاصل على البكالوريوس في العلوم السياسيّة، والماجستير في برنامج الدراسات الإسرائيليّة من جامعة بير زيت. ينشر مقالاته في عدّة منابر محلّيّة وعربيّة، في الأدب والسينما والسياسة.